Google http://yoursite.com; AWFID:0ed5b59d9c9a0ed3;">

الأحد، 22 يونيو 2008

المغرب يمكن أن يعيش بلا صحافيين.. لكن لا يمكنه العيش بلا مخبرين

في الماضي، كان المخبر في المغرب يشبه لص الدجاج.. يختفي خلف الأشجار والأسوار ويتتبع خطى ضحاياه ويترصد حركاتهم وسكناتهم، وبعد ذلك يقدم تقارير مكتوبة أو شفوية إلى رؤسائه كما لو أنه جيمس بوند. والغريب أن عددا من المخبرين لا يزالون يعملون بنفس الطريقة على الرغم من التطبيع الواضح بين المجتمع المدني ومجتمع المخبرين. وفي الساحة المجاورة لمبنى البرلمان، كان هناك مخبر شهير يختفي خلف نخلة ويبدأ في نقل الشعارات التي يرددها المحتجون على ورقة متهالكة ثم يختفي كأنه يلعب الغمّيضة أو ثعلب يترصد بطة شاردة تاهت عن أمها. في الرباط أيضا يوجد رجل مشهور كان يتمنى أن يصبح مخبرا، لكن يبدو أن الحظ لم يسعفه، فأصبح مخبرا متسكعا يمضي أغلب وقته في التظاهر بأنه يضع ميكروفونا صغيرا تحت ربطة العنق ويتحدث فيه لرؤسائه مباشرة عن الأحوال في الرباط. يمكن مشاهدة هذا الرجل في كل مكان، أمام البرلمان وفي محطات الحافلات وفي الأسواق وعلى أبواب المقاهي وهو يردد عبارات مثل «صافي.. كل شي بخير.. الأمور مزيانة». أحيانا يحمل راديو ترانزيستور يصدر خرخشات مزعجة، ويتظاهر بأنه طالكي والكي آخر موديل. إنه رجل يثير الشفقة لأن مواهبه تذهب أدراج الرياح، وكان من الممكن الاستفادة من حماسه من طرف أجهزة الاستخبارات عوض تركه هائما على وجهه في الطرقات. لكن الواقع اليوم يقول إن المخبرين أصبحوا يتصرفون بطريقة لا تختلف عن طريقة عمل الصحافيين. وفي الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات يقف المخبرون جنبا إلى جنب مع الصحافيين ويسجلون كل شيء. الفارق الوحيد هو أن تقارير الصحافيين تنشر بعد ذلك على صفحات جرائدهم، وتقارير المخبرين تذهب إلى الأجهزة. المخبرون لم يعودوا يكتفون بتسجيل ما يرونه في ورقة يخفونها بين أصابعهم كأنهم سحرة السيرك، بل يحملون آلات تصوير وكاميرات فيديو وهم يصورون تفاصيل المظاهرات والوقفات الاحتجاجية. ومن الغريب أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية لم تقبل هؤلاء في صفوفها إلى حد الآن رغم أنهم يؤدون مهامهم بحماس وإتقان. يمكن للنقابة أن تمنح هؤلاء بطاقة مهنية عليها عبارة «مخبر صحافي». العالم يمكن أن يعيش بلا صحافيين، لكن لا يمكنه العيش بلا مخبرين. وقبل بضعة أسابيع، ارتمى والي الأمن في طنجة على صحافي كان يلتقط صورا لتظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، ومُسحت كل الصور وذهب الصحافي إلى المستشفى ليتسلم شهادة طبية بعد أن تم ليّ عنقه ويده لتنزع منه آلة التصوير. وفي نفس المكان كان مخبرون يمسكون آلات التصوير وكاميرات الفيديو ويصورون كل التفاصيل بكامل الأمان والطمأنينة. يمكن للكوميساريات في كل مدن ومناطق المغرب أن تفتح مكاتب خاصة بهذه الصور. يعني أن الصحافيين الذين يُمنعون من التقاط صور، يمكنهم التوجه إلى مصلحة الصور والصحافة في الكوميسارية لشراء تلك الصور التي يلتقطها المخبرون بثمن رمزي. بهذه الطريقة ستضرب الكوميساريات صحافيين بحجر واحد، الأول هو أنها ستختار الصور بعناية، حيث لا يمكن نشر الصور التي تسيء إلى صورة «أجمل بلد في العالم»، وثانيا، يمكنها أن توفر بعض المال عن طريق بيع هذه الصور، وهذا شيء معقول لأن الكوميساريات لا يمكنها أن تبيع البطيخ وعصير الليمون والسمن والزيت البلدية. تكفّل المخبرين بالتقاط الصور الصحافية سيكون شيئا رائعا لأن ما حدث مثلا في قضية المرأة المحتجة وطفلها بلال وبين عميد الأمن، كان بسبب التقاط صحافي لهذه الصورة. لو التقط مخبر تلك الصور لظهر جليا أن الخطأ لم يكن خطأ العميد، بل خطأ المرأة، لأن الواقع يقول إن المرأة كانت تحتج وهي جالسة على الأرض وطفلها على ظهرها، فأشفق عميد الأمن لحالها، وطلب منها أن تقف حماية لجسدها ولطفلها من البرودة والغبار، خصوصا مع ارتفاع سعر الصابون، غير أن المرأة رفضت وأصرت على أن تبقى جالسة ورمته بحجر، فأوقفها العميد بكامل اللطف وهو يرجوها أن تمتثل حماية لصحتها وصحة طفلها. وفي سيدي إيفني، وقعت مصالح الأمن في نفس الخطأ، لأنها لم تبعث مصورين من الكوميسارية لالتقاط صور الأحداث. كان من الممكن أن تظهر صور المحتجين وتحتها تعليق يقول: «سكان سيدي إيفني يتظاهرون ابتهاجا بفتح الميناء من جديد»، أو لقطات مصورة وصوت مصطفى العلوي وهو يقول «وها هم رعاياك يا مولاي خرجوا عن بكرة أبيهم...».

ليست هناك تعليقات: